تعريف العقوبة وبيان عناصرها وخصائصها
أولا: تعريف العقوبة:
تعددت التعريفات التي قال بها الفقه لتعريف العقوبة: فقيل بأنها جزاء جنائي يقرره المشرع ويحكم به القاضي على الشخص المسئول عن الجريمة. وقيل أيضا بأنها " إيلام مقصود يوقع من أجل الجريمة ويتناسب معها. ويتميز التعريف الأخير بأنه يكشف عن معظم عناصر العقوبة ومقوماتها.
ثانيا: عناصر العقوبة:
1- الإيلام:
من أهم عناصر العقوبة"الإيلام"، فهو جوهر العقوبة. والإيلام يعني حرمان المحكوم عليه من بعض حقوقه، سواء بصورة جزئية أو كلية. ويرتبط الإيلام من حيث نوعه وجسامته بمقدار ما يعتنقه المجتمع من قيم وأخلاق، كما يرتبط أيضا بنوع الجريمة المرتكبة ومقدار جسامتها.
والإيلام قد يكون "جسمانيا" ، كما هو الحال بالنسبة للعقوبات البدنية، وقد يكون "معنويا"، كما في حالة سلب الحرية أو تقييدها، وقد يكون "ماديا أو ماليا"، وذلك بالانتقاص من بعض الحقوق المالية، بصفة كلية أو جزئية.
ويرتبط الإيلام في العقوبة بطابع "الإهانة" التي تلحق بمن توقع عليه؛ فالعقوبة تمثل استهجانا اجتماعيا موجها إلى سلوك المجرم. وبداهة أن تنطوي العقوبة على معاني" القسر والإجبار"؛ فالإيلام لا يفترض الرضاء به، بل يجبر الخاضع له على تحمله.
2- العقوبة إيلام مقصود:
يعني كون الإيلام مقصودا، أن العقوبة إنما توقع على المحكوم عليه بقصد إيلامه. فالإيلام المقصود هنا يحقق في العقوبة معنى الجزاء، أي مقابلة الشيء بمثله: فالجاني ألحق بالمجني عليه وبالمجتمع الإيذاء والإيلام من خلال ارتكابه للجريمة، ولما كان قوام الجزاء هو مقابلة الشر بالشر، فلابد إذن أن يكون الإيلام في العقوبة مقصودا، فالإيلام هنا لا يتحقق عرضا، بل إن المجتمع حين ينزل العقوبة بالجاني، يبتغي إشعاره بالحرمان المرتبط بها.
وقد كان الإيلام في المراحل الأولى لنشأة العقوبة هو الهدف الأساسي من توقيعها؛ فالانتقام من الجاني بإيلامه، كان هو الغرض الرئيسي الذي توقع من أجله العقوبة كجزاء عن الجريمة التي ارتكبها. غير أننا سنري فيما بعد، أن الإيلام لم يعد مقصودا لذاته كغرض أو هدف أساسي من أغراض العقوبة، وإنما وسيلة لردع الجاني وإصلاحه.
والإيلام المقصود كجوهر للعقوبة، هو الذي يميزها عن غيرها من الأنظمة الأخرى، والتي لا يقصد باللجوء إليها إيلام من يخضع لها، وإنما يحدث الإيلام عرضا عند تطبيقها لارتباطه ارتباطا لازما بهذا التطبيق: فصفة العقوبة تنتفي عن إجراءات التحقيق والمحاكمة، حتى لو تضمنت إيلاما للخاضع لها، فالحبس الاحتياطي على سبيل المثال لا يعد عقوبة.
أيضا الإيلام المقصود في العقوبة هو الذي يميزها عن التدابير الاحترازية، حتى لو تضمن تنفيذ التدبير حدوث إيلام للخاضع له-كإيداع المجنون في مستشفى للأمراض العقلية- فالإيلام هنا –بسلب الحرية-غير مقصود، ولكنه مرتبط ارتباطا لازما لتنفيذ التدبير الاحترازي.
ثالثا / خصائص العقوبة
1- العقوبة شرعية:
تمس العقوبة بدون شك حقوقا للمحكوم عليهم، وتقتضي حماية هذه الحقوق عدم جواز المساس بها إلا إذا نص عليها القانون. وعلى ذلك، أول ما يجب أن تختص به العقوبة هي خضوعها لمبدأ "شرعية الجرائم والعقوبات" الذي يقضي بأنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون"، فهذا المبدأ يحصر الأفعال التي تعد جرائم والعقوبات المقررة لها في نصوص القانون، فتصبح بذلك واضحة ومحددة للأفراد.
وينتج عن هذا المبدأ نتيجة هامة وهي، أن القاضي لا يستطيع أن يجرم فعلا لم ينص القانون على اعتباره جريمة، أو يحكم بعقوبة ليس لها أساس في نصوص القانون.
2- العقوبة شخصية:
بمعنى أن العقوبة يجب ألا توقع إلا على من يثبت بالدليل المباشر أنه قام بارتكاب الفعل الذي يجرمه القانون أو ساهم في ارتكابه، فلا يجوز أن يمتد العقاب إلى أشخاص لا تربطهم بالجريمة صلة، ولو كانت هناك صلة ما تربطهم بالجاني، كأن يكون مثلا أحد أفراد أسرته أو من ورثته.
3- العقوبة عادلة:
بمعنى أن العقوبة يجب أن تكون متناسبة مع الجريمة التي ارتكبها الجاني، حتى ترضي الشعور العام بالعدالة.
4- المساواة في العقوبة:
تخضع العقوبة لمبدأ المساواة أمام القانون الجنائي، وهذا المبدأ يعني المساواة بين جميع الأشخاص في توقيع العقوبة أيا ما كانت مراكزهم الاجتماعية. ولكن لا ينال من هذا المبدأ اختلاف مقدار العقوبة من شخص إلى آخر إذا كان ذلك يرجع إلى اختلاف الظروف المادية أو الشخصية لكل جريمة.
5- قضائية العقوبة:
أي أن الحكم بها لا يكون إلا عن طريق حكم قضائي؛ فتوقيع العقوبة، دون أدنى شك، فيه مساس بحرية الفرد، ولذلك يتوقف توقيع العقوبات المقررة بالقانون على صدور حكم قضائي من المحكمة المختصة، فلا يجوز ترك تطبيقها لتحكم السلطة الإدارية، ولا تملك أي سلطة من سلطات الدولة غير القضاء، أن تحكم على فرد بعقوبة جنائية. وقد نص الدستور المصري على هذا المبدأ في المادة 66 منه.
2- التقسيمات المختلفة للعقوبة وأنواعها
أولا: بالنظر إلى طبيعة الحق الذي تنزل العقوبة مساسا به:
تنقسم العقوبة إلى عقوبة "بدنية" كالإعدام، أو "عقوبة سالبة للحرية" كالسجن المؤبد أو السجن المشدد أو السجن أو الحبس، أو عقوبة "مقيدة للحرية" مثل مراقبة البوليس، أو "عقوبة مالية" كالغرامة.
وبالإضافة إلى ذلك توجد "عقوبة سالبة لبعض الحقوق والمزايا"، كحرمان المحكوم عليه بعقوبة جناية من القبول في خدمة الحكومة (المادة 25 ع).
ثانيا: بالنظر إلى مدة العقوبة:
تنقسم العقوبة إلى عقوبة سالبة للحرية مؤبدة أو مؤقتة. والأصل أن عقوبة السجن المؤبد تستغرق كل حياة المحكوم عليه، فتنقضي بوفاته (المادة 14ع)، إلا أنه من الناحية العملية، يجوز الإفراج عن المحكوم عليه بهذه العقوبة متى مضت عليه مدة معينة، حددها قانون تنظيم السجون بعشرين سنة على الأقل (المادة 52/2)، إذا توافرت شروط معينة. أما العقوبات السالبة للحرية المؤقتة فهي السجن المشدد والسجن والحبس.
ثالثا: من حيث كفاية العقوبة بذاتها كجزاء:
أساس هذا التقسيم هو مدى كفاية العقوبة وحدها كجزاء للجريمة، والى مدى استلزام نطق القاضي بها كي توقع على من تثبت مسئوليته عن الجريمة. ووفقا لهذا المعيار تقسم العقوبات إلى عقوبات أصلية، وعقوبات تبعية، وعقوبات تكميلية.
• العقوبات الأصلية:
هي العقوبات التي يقررها القانون كجزاء رئيسي للجريمة، بحيث يكفي النطق بها وحدها من أجل الجريمة، وبغير أن يكون الحكم بها معلقا على الحكم بعقوبة أخرى. ولا يمكن تنفيذ هذه العقوبات إلا إذا نطق بها القاضي في الحكم، مثال ذلك عقوبة الإعدام، السجن المؤبد أو المشدد، السجن والحبس والغرامة .
• العقوبات التبعية:
هي عقوبات غير رئيسية، أي لا يجوز النطق بها بمفردها، ولكنها تتبع العقوبات الأصلية من تلقاء نفسها، بقوة القانون وبدون حاجة إلى النطق بها صراحة في منطوق الحكم، ودون أن تترك للقاضي سلطة تقديرية في شأن مبدأ استحقاقها، ولا في تحديد نطاقها، ولا في إيقاف تنفيذها، فيجب على سلطة التنفيذ أن تنفذها من تلقاء نفسها. ومن أمثلة هذه العقوبات، الحرمان من الحقوق والمزايا المنصوص عليها في المادة 25 عقوبات تبعا للحكم بعقوبة جناية، ومراقبة البوليس في الحالات المنصوص عليها في مجموعة قانون العقوبات أو في التشريعات الجنائية الخاصة( المادتان 28 و75 عقوبات، والمادة 15 من القانون رقم 15 رقم 10 لسنة 1961 بشأن مكافحة الدعارة).
• العقوبات التكميلية:
هي عقوبات غير رئيسية للجريمة شأنها شأن العقوبات التبعية، أي لا يجوز النطق بها بمفردها. ولكنها تتفق مع العقوبات الأصلية من حيث عدم جواز تنفيذها إلا إذا نطق بها القاضي صراحة في الحكم. والعقوبات التكميلية تنقسم بدورها إلى نوعين:
أ- عقوبات تكميلية وجوبية:
وهي تلك العقوبات التي يجب على القاضي الحكم بها، مثال ذلك مصادرة الأشياء المضبوطة التي تحصلت من الجريمة في الحالة المنصوص عليها في المادة 30/2 عقوبات، والعزل من الوظائف الأميرية في الحالات المنصوص عليها في المادة 27 من قانون العقوبات.
ب- عقوبات تكميلية جوازيه:
وهي تلك العقوبات التي يخير القاضي بين الحكم بها أو عدم الحكم بها. مثال ذلك العزل من الوظائف العامة، ومراقبة البوليس في الحالات التي ينص فيها القانون على جواز ذلك.
رابعا - بالنظر إلى جسامة الجريمة:
تنقسم الجرائم من حيث شدة جسامتها إلى ثلاث طوائف: الطائفة الأولى هي طائفة الجنايات،و تعتبر أخطر الجرائم وأشدها عقابا. أما الطائفة الثانية هي طائفة الجنح، وهي أقل خطورة من الطائفة السابقة، ويقرر لها المشرع عقوبات أخف. أما الطائفة الثالثة والأخيرة فهي المخالفات، وتعتبر أقل الطوائف السابقة خطورة.
وتنقسم العقوبات تبعا لهذا التقسيم إلى ثلاثة أنواع هي، "عقوبات الجنايات وعقوبات الجنح
و عقوبات المخالفات" ويسمى هذا التقسيم "بالتقسيم الثلاثي للعقوبات". ويترتب على هذا التقسيم أن معيار جسامة العقوبة يعكس معيار جسامة الجريمة. أي أن العقوبة التي قررها المشرع هي أساس التمييز ين الجنايات والجنح والمخالفات . فمن خلال العقوبة يمكن الاهتداء إلى نوع الجريمة.
وعلى هذا الأساس فإن العقوبات المقررة للجنايات هي: الإعدام والسجن المؤبد والسجن المشدد والسجن. وهذا النوع من العقوبات يتقرر للجرائم الخطيرة مثل التزوير، والقتل، أو الضرب أو الجرح أو إعطاء مواد ضارة إذا أفضى إلى موت المجني عليه، والسرقة بالإكراه، والحريق العمد، وهتك العرض بالقوة.
أما العقوبات المقررة للجنح فهي:الحبس، والغرامة الذي يزيد أقصى مقدارها على مائة جنيه (المادة 11 عقوبات). وهذا النوع من العقوبات يتقرر للجرائم الأقل خطورة من الجنايات مثل السرقات البسيطة، والضرب البسيط، والنصب، وخيانة الأمانة، والجرائم التي تقع بواسطة الصحف (كالقذف والسب).
أما عقوبات المخالفات فهي الغرامة التي لا يزيد أقصى مقدارها على مائة جنيه (المادة 12 عقوبات). وهذا النوع من العقوبات يتقرر للجرائم الأقل خطورة من الجنايات والجنح، مثل مخالفات المرور، والسب غير العلني.
3- عقوبة الإعدام
عقوبة الإعدام هي عقوبة تمس التكامل العضوي مع الروح، فهي تتمثل في إزهاق روح المحكوم عليه بها. وهذه العقوبة نظرا لجسامتها الشديدة، يحكم بها في الجرائم شديدة الخطورة، مثال ذلك الجرائم المخلة بأمن الحكومة، أو جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد.
وتعتبر عقوبة الإعدام من أقدم العقوبات التي عرفتها التشريعات الجنائية، بل من العقوبات التي كانت السلطات في العهود القديمة تسرف في تطبيقها، وكانت غالبا ما تقترن بوسائل تّعذيب قبل تنفيذها.
وقد كانت عقوبة الإعدام –ومازالت- محلا للجدل، فالفلاسفة والفقهاء والعلماء ورجال الدين، بل وحتى رجل الشارع العادي، انقسموا حول مدى ملائمة الأخذ بها، وأيضا لمدى مشروعيتها، ومن ثم الإبقاء عليها أو إلغائها. ويمكننا تأصيل الخلاف السابق إلى اتجاهين: اتجاه معارض لها، واتجاه مناصر لها. و نتناول فيما يلي - بإيجاز- أهم حجج المؤيدين لإلغائها، وأيضا لحجج المناصرين للإبقاء عليها.
أولآ/ الاتجاه المعارض لعقوبة الإعدام
استند الاتجاه المعارض لعقوبة الإعدام إلى أنها غير شرعية، وغير عادلة، وأنها لا تحقق أهم أغراض العقوبة والمتمثل في إصلاح وتهذيب المحكوم عليه، وأنه إذا نفذت فانه-على عكس باقي العقوبات- يستحيل الرجوع فيها، إذا اكتشفت براءة المحكوم عليه بها.
1- عقوبة الإعدام غير شرعية:
فالدولة ليس لها الحق في توقيع عقوبة الإعدام وسلب حياة المتهم؛ لأنها لم تهبه حق الحياة ابتداء. وترجع هذه الحجة إلى "بيكار يا" الذي وجد في نظرية العقد الاجتماعي أساسا لحق الدولة في توقيع العقاب، والتي وفقا لها، أن كل فرد تنازل عن جزء ضئيل من حريته للدولة عن "طريق العقد الاجتماعي"، ومن مجموع الأجزاء التي تنازل عنها الأفراد نشأ حق الدولة في العقاب، ويترتب على اعتبار العقد الاجتماعي أساسا لحق الدولة في العقاب، التخفيف من شدة وقسوة العقوبات، فالعقوبة القاسية تتعارض مع طبيعة العقد الاجتماعي.
2- عقوبة الإعدام غير عادلة:
لأنها غير متناسبة مع جسامة الجريمة، كما أنها غير قابلة للتدرج وفقا لجسامة الضرر الناتج عن الجريمة، ولا تتناسب أحيانا مع درجة خطورة الجاني.
3- الإعدام لا يحقق أهم أغراض العقوبة:
استئصال المجرم بإعدامه لا يحقق أهم أغراض العقوبة، وهو الردع الخاص، أي تأهيل وإصلاح المجرم كي يعود مواطنا صالحا. بالإضافة إلى ذلك فقد ثبت أن عقوبة الإعدام لم تثبت فعاليتها في تحقيق الردع العام -أي تخويف الأفراد من هول العقوبة لكي لا يقدموا على ارتكاب الجريمة- و الدليل على ذلك ازدياد نسبة الجرائم الخطيرة المعاقب عليها بالإعدام.
4- استحالة الرجوع فيها بعد تنفيذها:
عقوبة الإعدام بعد تنفيذها في المحكوم عليه بها يستحيل الرجوع عنها إذا ما ثبت أن القضاء قد أخطأ في توقيعها، وهو أمر وارد الحدوث. أما إذا كانت العقوبة المحكوم بها سالبة للحرية، ثم ظهرت براءة المتهم، فيمكن أن يوقف استمرار تنفيذها في الحال. وتعتبر هذه الحجة من أقوى الحجج التي قال بها أنصار معارضو عقوبة الإعدام.
ثانيا / الاتجاه المؤيد لعقوبة الإعدام
على النقيض من الرأي السابق المعارض لعقوبة الإعدام، أتجه جانب كبير من الفقه إلى القول بضرورة تطبيق مثل هذه العقوبة. وقد قاموا بالرد على الحجج السابقة بما يؤيد تمسكهم بالإبقاء على هذه العقوبة. وهم هذه الأسانيد هي:
1- حماية المجتمع هو أساس حق الدولة في العقاب:
القول بأن عقوبة الإعدام غير شرعية لأن الدولة ليس لها الحق في سلب حياة إنسان لأنها لم تهبه إياها، قول محل نظر إذا أن أساس حق الدولة في العقاب هو ضرورة حماية المجتمع من شرور المجرمين الذين يرتكبون أخطر الجرائم. بالإضافة إلى ذلك فإن هذا المنطق يؤدي كذلك إلى القول بأنه ليس للدولة حق في سلب حرية المجرم بما أنها ليست هي التي منحته هذه الحرية.
2- الإعدام مقرر لأشد أنواع الجرائم خطورة:
من ناحية ثانية، القول بأن عقوبة الإعدام غير عادلة، لعدم تناسبها مع جسامة الجريمة محل نظر، إذ أنه حينما تكون الجريمة على قدر كبير من شدة الجسامة، وتكون درجة خطورة الجاني كبيرة، فإن ذلك يبرر توقيع عقوبة الإعدام.
فالقانون المصري على سبيل المثال لم يجز توقيع عقوبة الإعدام إلا في بعض الجرائم الخطيرة، مثال ذلك بعض جرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الداخل أو الخارج، والقتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد، والقتل العمد بالسم، والقتل العمد المقترن بجناية أو المرتبط بجنحة، والحريق العمد إذا نشأت عنه موت شخص كان موجودا في الأماكن المحرقة، وخطف أنثى المقترن بجناية اغتصاب، وشهادة الزور إذا حكم على المتهم بناء عليها بالإعدام ونفذ فيه.
فعقوبة الإعدام حينما تتقرر لمثل هذه الجرائم تكون عادلة، فليست حياة المجني عليه التي أهدرت عمدا - مع توافر ظرف مشدد يدل على خطورة شخصية الجاني - أقل قيمة من حياة الجاني، بل إن حياة الجاني تكون أقل منها قيمة بعد أن لوثتها الجريمة، فلا محل بعد ذلك للقول بقسوة العقوبة ولا محل للتعاطف مع متهم لم يحرص على حياة أو عرض الآخرين.
3- عقوبة الإعدام تحقق أغراض العقوبة:
القول بأن استئصال المجرم بإعدامه لا يحقق أهم أغراض العقوبة وهي تأهيل وإصلاح المجرم، فهي حجة تقوم على المبالغة؛ إذ أن عقوبة الإعدام لا تتقرر إلا بعد التأكد من خطورة شخصية الجاني على المجتمع وعدم قابليته للإصلاح، فيكون الاستئصال في حد ذاته علاج لحالات الإجرام المستعصية. وقد ثبت في بعض الحالات أن عدم توقيع عقوبة الإعدام على بعض المجرمين سمح لهم بارتكاب جرائم قتل أخرى.
فضلا عن ذلك، فإنه لا يمكن تجاهل الأغراض الأخرى لعقوبة الإعدام، مثل تحقيق العدالة والتي -كما أوضحنا آنفا- تتمثل في إرضاء الشعور العام في عدالة الجزاء، والذي يأبى أن يذهب دم المجني عليه سدا.
كذلك تحقق عقوبة الإعدام الردع العام، وذلك بتخويف أفراد المجتمع من مغبة الإقدام على ارتكاب مثل هذه الجرائم. وقد أثبتت بعض الإحصاءات أن تقرير عقوبة الإعدام لبعض الجرائم، كان له بالغ الأثر في خفض معدل ارتكاب هذه الجرائم.
4- إحاطة عقوبة الإعدام بضمانات تمنع من الخطأ فيها:
أما القول بأن عقوبة الإعدام بعد تنفيذها على المحكوم عليه بها يستحيل الرجوع عنها، إذا ما ثبت أن القضاء قد أخطأ في توقيعها، أمرا مردودا عليه بأن هناك استحالة أيضا لتدارك الخطأ الصادر بعقوبة سالبة للحرية بالنسبة لما قد تم تنفيذه بالفعل، كما أنه لا يكفي لإلغائها افتراض أمر نادر الحدوث، ويكفي أن تتخذ احتياطات وضمانات وإجراءات قانونية صارمة، تحول دون حدوث مثل هذه الأخطاء.
4- مشكلة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة
أولآ / الاختلاف حول تعريف العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة:
تباينت الآراء حول تحديد المدة التي يمكن القول معها بأن العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة: فقد حددها البعض بخمسة عشر يوما، والبعض الآخر حددها بشهر واحد، وذهب رأي إلى تحديدها بشهرين، والبعض اعتبرها لا تزيد على ثلاثة أشهر، والبعض الآخر حددها بستة أشهر، وحددها آخرون بتسعة أشهر، وقلة ذهبت إلى أن العقوبة تكون قصيرة المدة إذا كانت أقل من سنة.
ثانيا /ضابط اعتبار العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة:
وواقع الأمر أن مدة العقوبة السالبة للحرية تكون قصيرة إذا كانت غير كافية لتحقيق برنامج يهدف إلى التهذيب والإصلاح، وتكون غير ذلك إذا كانت المدة تسمح بتحقيق أغراض العقوبة السالبة للحرية وعلى ذلك اعتبرت العقوبة السالبة للحرية لمدة تقل عن سنة كاملة أنها قصيرة المدة،.
و تثير العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة كثير من الجدل نظرا لما تقدمه من مساوئ قد يزيد عن المزايا التي تتضمنه مما جعل أغلب التشريعات يعيدوا النظر فيها سواء بإلغائها، أو الإبقاء عليها مع الحد منها.
1- مساوئ العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة:
للعقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة مساوئ متعددة، فهي تسبب الكثير من الأضرار الاجتماعية وبصفة خاصة لأسرة المحكوم عليه، وقد تفسد المحكوم عليه أكثر مما تصلحه، وأخيرا قد تفشل في إصلاحه وتهذيبه.
• الآثار الاجتماعية الضارة للعقوبة قصيرة المدة:
هذه العقوبة لها آثار اجتماعية ضارة؛ فقد تقضي على مستقبل المحكوم عليه، وقد تضر بأسرته: فالمحكوم عليه يحدث له اضطرابا اجتماعيا واقتصاديا بفقد وظيفته، كما أنه قد يعجز عن الانخراط في المجتمع بعد قضاء مدة العقوبة، وقد يسلك طريق الجريمة بعد خروجه إذا لم يجد عملا آخر للحصول على مورد زرق، مما يضر أيضا بالمجتمع. وبالنسبة للأسرة فإنها تفقد مصدرا للرزق مما قد يدفع بعض أبناءه للانحراف وسلوك سبيل الجريمة.
• العقوبة قصيرة المدة لا تحقق الردع الخاص:
من ناحية ثانية، قد تفشل العقوبة قصيرة المدة في تحقيق الردع الخاص؛ حيث أن هذه المدة غير كافية لتطبيق برنامج تأهيل وتهذيب للمحكوم عليه، كما أنها تفقد المحكوم عليه رهبة سلب الحرية، وبصفة خاصة إذا اعتاد عليها عن طريق الحكم عليه بعقوبات متتالية قصيرة المدة. ويؤدي ذلك إلى أنه لن يرتدع من عقوبة طويلة المدة قد يحكم عليه بها بعد ذلك.
• العقوبة قصيرة المدة تفسد المحكوم عليه:
من ناحية ثالثة، هذه العقوبة قد تفسد المحكوم عليه أكثر مما تصلحه؛ وذلك بسبب اختلاطه مع المحكوم عليهم بعقوبة طويلة المدة؛ فهذا الاختلاط الضار سيترتب عليه أن يتعلم المجرمون الأقل خطورة الإجرام على أيدي أخطر المجرمين، ويعد ذلك عاملا من العوامل التي قد تدفع المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة لارتكاب جريمة في المستقل أشد من الجريمة التي دخل بسببها السجن.
2- مزايا العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة:
رغم العيوب السابقة، فإن العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة لا تخلو من بعض المزايا نجملها فيها يلي :
فمن ناحية أولى، يعد هذا النوع من العقوبات ضروريا لمواجهة نوعية معينة من المجرمين، وبصفة خاصة المجرمين المبتدئين، لما تسببه لهم بما يعرف "بصدمة السجن" ، والتي تجعلهم يفكرن كثيرا قبل الإقدام مرة أخرى على ارتكاب الجريمة.
ومن ناحية ثانية، هذه العقوبات قد تكون الجزاء المناسب لبعض الجرائم التي ترتكب نتيجة الإخلال ببعض الالتزامات التي يفرضها القانون، أو نتيجة لطيش أو رعونة أو عدم انتباه، مثال ذلك في مجال الجرائم غير العمدية كالقتل أو الإصابة الخطأ.
5-تعريف التدابير الاحترازية و أوجه الاختلاف بينها وبين العقوبة
أولا: تعريف التدابير الاحترازية:
التدابير الاحترازية هي مجموعة من الإجراءات، ينص عليها القانون تتضمن معاملة فردية، تقتضيها مصلحة المجتمع، تتخذ ضد كل شخص ارتكب جريمة، وتنبئ حالته الخطرة عن احتمال ارتكابه جريمة أخرى مستقبلا.